عامر علي
الأربعاء 10 أيلول 2025
يأمل الشرع في أن يساهم الدور الروسي في إعادة التوازن إلى الملف السوري (أ ف ب)
نفّذت إسرائيل سلسلة اعتداءات جديدة على سوريا، طاولت حمص واللاذقية، وذلك قبيل عقد اللقاء الذي أُعلن عنه بين وزير الخارجية السوري الانتقالي، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، والهادف إلى مناقشة الترتيبات الأمنية حول الجنوب، في سياق الدفع الأميركي – الفرنسي لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب. واستهدفت الاعتداءات الجديدة كتيبة للقوات الجوية تقع جنوب شرق مدينة حمص، وموقعاً عسكرياً في منطقة سقوبين قرب مدينة اللاذقية، الأمر الذي تسبب بسلسلة انفجارات عنيفة هزّت المحافظتين.
وتزامن ذلك مع تحليق استعراضي لسلاح الجوء الإسرائيلي فوق المنطقة المُستهدفة، التي هرعت إليها سيارات الإسعاف، من دون ورود معلومات دقيقة حول نتائج هذا العدوان على الصعيدين البشري والمادي، في وقت أصدرت فيه وزارة الخارجية السورية الانتقالية بياناً دانت عبره الاعتداء.
وجاء في البيان المُقتضب الذي صدر بعد ساعات من الاعتداء الذي وقع مساء أول من أمس، أن «دمشق تعرب عن إدانتها الشديدة للعدوان الجوي الذي نفّذته قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستهدفاً مواقع في حمص واللاذقية، في انتهاك فاضح للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة». وتابعت الخارجية أن هذه الاعتداءات تمثّل «خرقاً صارخاً لسيادة سوريا وتهديداً مباشراً لأمنها واستقرارها الإقليمي»، داعيةً «المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، إلى تحمّل مسؤولياته القانونية والأخلاقية واتخاذ موقف واضح وحازم يضع حداً لهذه الاعتداءات المتكررة ويضمن احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها».
وعلى خلاف الاعتداء الذي تعرّضت له اللاذقية، والذي استهدف، وفق ما تسرّب، موقعاً تتمركز فيه قوات النخبة التابعة للسلطات الانتقالية (هيئة تحرير الشام سابقاً)، يكشف الاعتداء الذي طاول حمص عن إصرار إسرائيلي على منع تمدّد النفوذ التركي في الداخل السوري، خصوصاً أن المكان المُستهدف يُعتبر أحد المواقع التي تسعى أنقرة للتمدّد فيها تحت ذريعة «التعاون مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب». ويأتي هذا بعد قيام تركيا بإعادة تشغيل طائرتين عسكريتين سوريتين لم تتعرّضا للتدمير خلال الحملة العسكرية العنيفة التي دمرت خلالها إسرائيل ما تبقّى من مقدرات الجيش السوري المنحلّ، عقب سقوط النظام السابق.
ويكشف التغوّل الإسرائيلي المستمر، والذي يهدف إلى البعث برسائل نارية إلى تركيا، أيضاً، عن تشدّد تل أبيب حيال الخطوط التي رسمتها في لقاءاتها مع السلطات الانتقالية السورية، ومن بينها تحذير هذه السلطات من مساعدة أنقرة في توسيع نفوذها في سوريا، بالإضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوبي البلاد، وتحصين الإدارة الذاتية الدرزية في السويداء، عقب المجازر التي تعرّض لها الدروز على أيدي قوات تابعة أو مرتبطة بالسلطات الحالية.
تشكّل زيارة الوفد الروسي تأكيداً على استعادة موسكو لدورها المحوري في الملف السوري
في غضون ذلك، وصل إلى العاصمة السورية دمشق وفد روسي رفيع المستوى برئاسة ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء، يضم وزير البناء والإسكان والخدمات العامة، إيرك فايزولين، ونائب وزير الدفاع، يونس بيك يفكوروف، ونائب وزير الخارجية، سيرغي فيرشينين. وأجرى الوفد سلسلة لقاءات مع مسؤولين في السلطات الانتقالية، من بينهم الشيباني، والرئيس الانتقالي أحمد الشرع.
ويأتي استقبال الوفد الروسي ــ الذي لاقاه ماهر الشرع، شقيق أحمد الشرع، المُعيّن كأمين عام لرئاسة الجمهورية، والذي كان يعيش في روسيا ولعب دوراً في توسيع العلاقات بين الأخيرة والإدارة السورية الجديدة ــ في إطار تنفيذ دمشق للنصائح التركية بتوسيع العلاقات مع موسكو، باعتبارها ضامناً يخلق حالة توازن في الملفات المعقّدة، وعلى رأسها الملف الإسرائيلي. والجدير ذكره أن روسيا لعبت، خلال عهد النظام السابق، دوراً كبيراً في تحييد التغوّل الإسرائيلي في الملف السوري، سواء عبر التواصل الدبلوماسي بين موسكو وتل أبيب، أو من خلال نشر قوات روسية قرب الشريط الفاصل مع الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
ويكشف الترحيب الشديد الذي أبداه الشيباني بالوفد الروسي، عن محاولة جادّة لتسريع وتيرة بناء العلاقات مع موسكو، الأمر الذي عبّر عنه الشيباني بشكل صريح خلال المؤتمر الصحافي الذي تمّ عقده عقب اللقاء الذي جمعه بنوفاك، إذ قال إن العلاقات السورية – الروسية «عميقة ومرّت بمحطات صداقة وتعاون، لكنّها افتقرت إلى التوازن في بعض المراحل»، مشدّداً على أن أي وجود أجنبي في سوريا يجب أن يكون هدفه مساعدة الشعب السوري على بناء مستقبله.
وتابع: «نرحّب بالتعاون مع روسيا في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والزراعة والصحة على أسس عادلة وشفّافة»، واستطرد أن دمشق «تبحث عن شركاء صادقين»، متابعاً أن «هناك رسالة جديدة مفادها أن سوريا وروسيا قادرتان على بناء علاقات قائمة على السيادة والعدالة والمصلحة المشتركة»، وفق تعبيره.
بدوره، قال نائب رئيس الوزراء الروسي إن زيارته إلى دمشق جاءت لمناقشة الاتجاهات المهمة للتعاون الثنائي. كما شرح أن «المرحلة التاريخية الجديدة ستقوم العلاقات فيها بين الشعبين على الاحترام المتبادل، ونتمنى أن تستمر هذه العلاقة في النمو لما فيه خير الشعبين والبلدين»، لافتاً إلى أن بلاده تولي اهتماماً خاصاً للزيارة المرتقبة للشرع إلى موسكو للمشاركة في القمة العربية – الروسية (المُقرّر عقدها في 15 تشرين الأول المقبل)، مؤكداً دعم بلاده لسيادة سوريا ووحدة أراضيها.
بشكل عام، تشكّل زيارة الوفد الروسي تأكيداً لاستعادة موسكو، التي حصّنت مواقعها العسكرية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، لدورها المحوري في الملف السوري، خصوصاً بعد التسهيلات التي قدّمتها إدارة الشرع للحكومة الروسية للمشاركة في ملف إعادة الإعمار. ويأمل الشرع، ومن ورائه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في أن يساهم ذلك في إعادة التوازن إلى الملف السوري، ويمنع التصادم المستمر بين أنقرة وتل أبيب حول نفوذ كل منهما، في ظل الميل الأميركي الواضح والدائم لصالح إسرائيل.